كتب حرة؟

Posted on December 12, 2013  •  6 minutes  • 1196 words

أول ما يتبادر إلى الذهن كيف تكون الكتب حرة وما هي؟ الكتب الحرة هي أحد نتائج الثقافة الحرة، وهي حركة لها جذور قديمة لكن ظهرت معالمها في أوائل الألفية الثانية حيث ساهم انتشار الإنترنت في انتشارها وظهور تأثيرها وأهميتها. الكتب الحرة ليست كتباً دون حقوق ملكية فكرية إنما هي كتب ذات قيود أقل يقوم صاحب الكتاب بتحديد ما يود مشاركاته مع الغير وذلك بطريقة سهلة وقانونية. حسناً لماذا نشأت في الأساس؟ ظهرت هذه الحركة بناء على أن للجميع الحق في المعرفة والثقافة بغض النظر عن أصولهم ومستوياتهم المادية، نتعرف تالياً على القصة من البداية.

لكل شخص حق الاشتراك في الحياة الثقافية العامة، وفي التمتع بالفنون، وفي التقدم العلمي ومكاسبه، وفي حماية النتاج العلمي والأدبي والفني.

–إعلان حقوق الإنسان.

أصل المعرفة

كانت المعرفة في كل الحضارات السابقة تنشر بكل الطرق الممكنة بغية إيصالها لكل من يرغب في اكتسابها، فكانت الكتب تدوّن وتنسخ من دون أن تعرف حق النشر وحق التوزيع، وكل العلماء في العصور السابقة بل حتى الحضارات بنت واقتبست من بعضها البعض دون أي عوائق. ولكن مع اختراع المطبعة تغيرت الحياة الثقافية وتطورت إلى أن أصبحت حرفة بنفسها، فأصبح الكتّاب يمتهنون الكتابة بغية كسب العيش الرغيد، متزامنا ذلك مع تطور العلوم الغربية وتعمقها في مجالات لا يحلم بها من لم يعاصرها.

من أسس الحضارة الحديثة الملكية الخاصة والاعتزاز بالذات بدرجة مبالغ فيها في كثير من الأحيان، ففكرة حقوق الطبع والنشر والتوزيع لم تكن موجودة في الحضارات السابقة بل هي اخترع وليد العصر الحديث بغية حفظ حقوق الكتّاب من الضياع واعترافاً بجهودهم الكبيرة في تطوير الثقافة ودفعها باستمرار إلى أقصى حدودها والأكثر أهمية هو حفظ حقوق أصحاب دور النشر والمكتبات. كل ذلك انعكس على الكتاب حيث أصبح يعامل كسلعة بالمعنى الحرفي وليس كوعاء للثقافة ومصباحاً للإنسانية في ظلمات الجهل.

المشكلة

الأصل أن مدة حماية حقوق النشر التأليف محدودة، هذه الحدود تضمن توازن بين إمكانية حصول المؤلف على مردود عمله وبين كون العلوم يجب ألا تُحتكر أو تقترب من الاحتكار، لكن بسبب ضغط جهات معينة كانت تستفيد من الحماية المقررة فقامت بالضغط لزيادة المدة المقررة وبالفعل على مر الزمن زادت مدة الحماية إلى ٢٤ سنة، ثم أصبحت ١٤ سنة قابلة للتجديد مرة واحدة، ثم أخيراً ٧٠ سنة من تاريخ وفاة صاحب الحق في معظم القوانين، ويتوقع أن تزيد الفترة لاحقاً! وقد كانت هذه التغييرات في أغلب الأوقات بسبب ضغط الناشرين ورغبتهم في الاستئثار بالمؤلفات أكبر فترة ممكنة.

لعله لا يمكن إنكار الفائدة الكبيرة التي جناها العالم من حفظ حقوق الطبع والنشر، حيث أصبح الكتاب والعلماء ودور النشر يتنافسون فيما بينهم في اكتشاف الاختراعات المبتكرة بغية التميز والتفرد وربح المال في المجالات الجديدة، ولكن في خضم هذه المواجهة أصبح نشر الثقافة وإيصالها إلى الأفراد في الدول الفقيرة والنامية يواجه عقبة حقوق النشر والتوزيع، فصار الصراع ما بين الربح ونشر الثقافة، وفي حضارة تقدس الفردية والمادة حسمت النتيجة من دون أي تردد لصالح الربح فطوعت القوانين لتقول أن الأصل هو حفظ حقوق المؤلف والناشر بشكل افتراضي، فأي عمل ينشر يكتسب هذا الحق تلقائيا ولا يسقط عنه إلا بعد سبعين سنة من وفاة المؤلف في معظم القوانين.

وفي ظل هذا الوضع لم يستطع الفقراء الحصول على المعرفة التي تخرجهم من دائرة الفقر وبقوا في نفس دوامة التعاسة والفاقة والفقر المدقع بالرغم من تطور وسائل الاتصال ومشاركة المعرفة وخصوصا عالم الحواسيب والإنترنت الذي استطاع تقليل تكلفة العلوم وما حولها بشكل كبير لكن مع ذلك ظلت حقوق الملكية عقبة في نشر العلوم على نطاق واسع حيث أمست سلعة استهلاكية لا يستطيع الوصول إليها إلا من كان لديه القدرة المادية الكافية.

الحل

هذا الوضع لم يعجب محبي نشر الثقافة للناس بغض النظر عن أصولهم ومستوياتهم المادية، فظهرت العديد من المحاولات لتغيير الوضع، بدأت بحركة البرمجيات الحرة في بدايات الثمانيات القرن الماضي وهي وإن كانت متخصصة في البرمجيات الحاسوب إلا أنها حملت فكر مشاركة المعرفة والحفاظ على حرية المستخدمين ضد قيود الملكية الفكرية وقيود التوزيع والنشر ، وسرعان ما سرت هذه المبادئ إلى طرق نشر المعرفة من مثل الكتب والمقالات والأبحاث والأخبار.

ولعل أبرز مؤسسة دافعت وساهمت في نشر المعرفة غير الخاضعة لقيود حقوق الطبع والنشر هي مؤسسة المشاع الإبداعي Creative Commons ، والتي تهدف بشكل أساسي إلى تمكين استخدام ومشاركة الابتكار والمعرفة من خلال أدوات قانونية، بحيث وفرت رخص قانونية مجانية وسهلة الاستخدام تقدم طريقة بسيطة ومعيارية لإعطاء العامة الإذن باستخدام ومشاركة عملك الإبداعي مع الآخرين.

<img src="https://creativecommons.org/wp-content/uploads/2011/06/powerofopen-adoption-chart1.png" alt="نسبة زيادة استخدام المشاع الابداعي حول العالم وإنتاج مواد حرة">

نسبة زيادة استخدام المشاع الابداعي حول العالم
المصدر: Creative Commons .

استهوت فكرة إعطاء الناس حق المشاركة والاستخدام وبناء عمل جديد من العمل المنشور العديد من محبي نشر الثقافة بشتى أنواعها من أغاني وأفلام إلى الأعمال الأكاديمية والعلمية فعلى حسب إحصائيات مؤسسة المشاع الإبداعي نشر في عام ٢٠٠٩ أكثر من ٣٥٠ مليون وثيقة تحت أحد رخص المشاع الإبداعي وتوج نجاح المؤسسة بانتقال موسوعة ويكيبديا أكبر موسوعة على وجه الأرض إلى رخصة المشاع الإبداعي النسبة، المشاركة بالمثل .

وبدأت أشهر مواقع الويب توفير رخص المشاع الإبداعي في قائمة التراخيص التي تدعمها وأشهر مثال على ذلك موقع يوتيوب لمشاركة الفيديو وفلكر لمشاركة الصور وأكاديمية خان للتعليم. وبحسب الإحصائيات في سنة ٢٠١٠ فإن المواد المرخصة برخص المشاع الابداعي قد تعدت الـ ٤٠٠ مليون عمل من وثائق وصور ومرئيات وغيرها، مع الأخذ بالاعتبار أن رخص المشاع الابداعي ما هي إلا جزء من حركة حرية المعرفة.

لماذا يجب أن تكون معرفتك حرة؟

إذا كان هدفك الأسمى هو نشر المعرفة لجميع فئات الناس وترغب بإيصال هذه المعرفة ولا تمتلك الأدوات اللازمة لذلك فإن المعرفة الحرة هي أفضل وسيلة لذلك، فالتراخيص التي تقدمها مؤسسة المشاع الإبداعي تسهل عملية النشر وعملية المشاركة بين الآخرين وتسمح للآخرين بالمساهمة في تعديل وبناء أعمال مشتقة جديدة من العمل الأصلي. أحد الفوائد الأخرى للثقافة الحرة والتي لا تظهر مباشرة هي فائدة التسويق المجاني فكل عمل حر تجده يجذب فئات الكثيرة من المجتمع المتعطشة للمعرفة والراغبة في نشرها بكل الوسائل الممكنة التي ربما لا يحلم بها المؤلف الأصلي مما يسهم في سهولة توفر هذا العمل للناس، مما يعود بالفائدة المادية والمعنوية والمعرفية للمؤلف الأصلي.

ولكن ماذا عن حق الانتفاع المادي؟

إذا كان هدفك الأساسي هو نشر المعرفة بغض النظر عن المردود المادي فإنك في الغالب لا تعطي اهتماما كبيرا لهذه النقطة، خلاف ذلك فإن مؤسسة المشاع الإبداعي وفرت مجموعة من الرخص الحرة ترضي طموحات كل من يرغب بنشر المعرفة بغض النظر عن مدى اهتمامه بالعائد المادي، فتوجد رخص تشابه رخص الملكية العامة إلى رخص تسمح بالنشر ولكن لا تسمح بالاستغلال التجاري للعمل الإبداعي.

بالإضافة إلى زيادة تسريع عجلة المعرفة فمن ناحية أخرى يوجد العشرات من الفوائد الأخرى التي يجنيها المساهمون في نشر الكتب والمواد الحرة، الشهرة، الحصول على عمل في مكان مميز، دعم أعمالهم ما هي إلا أمثلة بسيطة كنتيجة عملية لنشر الكتب والمواد الحرة، سواء كنت مؤلف، مصمم، مخرج طباعي، مراجع لغوي أو أياً كان مهمتك في إنتاج الكتب الحرة فالجميع يستفيد في النهاية.

ابدأ الآن!

اليوم أصبحت هناك حركة عامة وعالمية شاملة كل نواحي الحياة تدعوا الانفتاحية والحرية في المجالات المتنوعة، وقد حان الوقت أن نكون جزءً فعالاً منها. وهذا الموقع ما هو إلا دليل على أننا قادرين على ذلك. حسناً، كيف تبدأ؟ كل ما تحتاجه هو حاسب آلي وبعض الوقت لإنتاج كتب حرة رائعة ومميزة.

روابط أخرى ذات علاقة:

الموقع خارج الخدمة جزئياً

حتى عودة الموقع بالكامل، تابع مشروع كتب عربية حرة على منصات التواصل الاجتماعي